الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب لراشد الغنوشي

نشر في  08 أكتوبر 2018  (14:03)

بقلم المنصف بن مراد
 
بعد التحية،
 
في البداية أذكرك أني دافعت على عائلات المساجين الاسلاميين في برج الرومي بكل شجاعة ونشرت مقالا طويلا في الغرض للصحفي سمير عبد الله ما أدى إلى حجب كل نسخ مجلة حقائق من الأكشاك من قبل "البوليس السياسي" آنذاك فأرسلتم مبعوثا أراد مساندة المجلة بالمال فرفضت...
 
ثم زارني بمكتبي المرحوم المنصف بن سالم وشرح لي وضعه الانساني الصعب فتدخلت لدى الوزير المرحوم محمد الشرفي قصد حثه على إسناده جرايته أو تسليمه جواز سفر لأنه كان في حالة اجتماعية وعائلية لا تطاق..
 
كتبت لك هذا لتذكيرك بأنّه ليس لي أيّ عداء تجاهك بل مجرّد اختلافات جوهرية عبّرت عنها في حوار تلفزي بحضورك لكني لم أسمع منك أجوبة مقنعة.. لقد كاتبتك في الماضي وصرحت بكل قناعاتي لكنك لم تستمع للنصائح وانت اليوم تجني ثمار عدم استماعك لمن لا يشاطرونك الرأي..
 
في البداية يعرف كل العارفين بأن الحركة الاسلامية قد تلقت دعما كبيرا من قبل الأمريكيين وحلفائهم وحتى من الذين أرادوا التحكّم في العراق ثم سوريا ثم مصر ثم ليبيا ثم تونس ومن بعدها الجزائر، لكن هذا المخطّط أخفق نسبيا بفضل مصر وتونس وروسيا، ولم ينفي هذا انّ الحركة العقائدية الاسلامية كانت تنشط علنا وفي الخفاء لافتكاك السلطة.. 
 
انّ الاسلام السياسي الذي كان مضطهدا لم يطوّر نفسه ولم تكن له الكفاءات لتسيير الحكومات ولم ينفتح على العصر والمعاصرة فأصبح عقيدة جامدة لم تع المشاكل الكبيرة التي يتعرّض لها المجتمع (تأخر علمي، تقهقر ثقافي، حرية الاجتهاد، حقوق المرأة، العدالة والنمو الاقتصادي، أهمية التعليم)..
 
لقد أخذتم الحكم بفضل قانون انتخابي أعرج وخطير وتحالفتكم على أساس المصلحة لا غير وبعد السجن والهجرة كانت ردة فعلكم المبدئية الدّفاع عن أنفسكم وإعداد أمن موازي واختراق أجهزة الدولة والتحكم في المساجد والتحكم في القضاء وكلّما وقعت ضغوطات جدية عليكم هدّد البعض منكم بسحل المعارضين الشرسين أو بإمكانية «تحريك» 100.000 انتحاري لتجنيدهم ضد بعض من عارضوا حزبكم بجدية...
 
ومع كل هذا كنتم متسامحين مع ادخال الأسلحة وارسال الارهابيين لسوريا وغنمتم ما غنمتم من المال العام، وكل هذا وحلفاؤكم المدنيون صامتون طامعون في كرسي من الكراسي أو في مساندة "ابن لا مستقبل له" او في منصب رئاسي سنة 2019! غير واعين أنّ « الطمع» دمر الأحزاب.
 
واليوم وبعد الندوة الصحفية للجبهة الشعبية والأدلة الثابتة ماذا يمكن ان تفعلوا؟ اني أخشى على بلادي وشعبي حربا أهلية ولا أتمنى سفك دم اي تونسي مهما كانت انتماءاته السياسة او العقائدية (ما عدا الارهابيين) ولا أريد سجن أي سياسي (ما عدا من أمر بتنفيذ جرائم دموية ضد التونسيين)..
 
ان كل الأحزاب العقائدية في العالم العربي أدت الى تكبيل النمو وتدمير الثقافة وتعطيل «خزينة» الدولة او الى اندلاع حروب دموية نفذتها عناصر ارهابية داعشية دمرت الذاكرة وهددت المستقبل...
 
اني اعلم جيدا انك أبرع رجل سياسة في تونس ويمكنك مع بعض المسؤولين في حركتكم تأسيس حزب يتعايش مع العصر ويجعل من العقيدة أمرا شخصيا ومن البحث المعرفي والعلمي والثقافي وحقوق المرأة «محرك» الشعب وضامن نموه الشامل!
 
ان قراءة جديدة في العلاقة بين الدين والسياسة والدفع نحو انفتاحه على القيم الكونية والقطع مع الحكومات التي تريد التحكم في تونس وغيرها من البلدان العربية المستهدفة والدّفاع الشرس عن الحريات والاهتمام الثابت بموضوع الهوية هي السبيل الوحيد لانقاذ حزبكم وبلادكم وحتى محو الصورة السيئة للعقيدة المتحجّرة التي «غزت العالم»..
 
انّ الاسلام السياسي في حرب وجود فإما ان يطور نفسه وينفتح -عبر الممارسات- على العصر ويؤيد الحريات وينتصر لقيم العدل والمعرفة والعلم وإما فإنه سيتسبّب في كارثة اقتصادية وأمنية ومعرفية وثقافية ستجر كل العباد الى الهاوية..
 
فلا تخشى ردود فعل المتشدّدين والحاملين لأفكار العنف والدمار داخل حزبك بل بادر بالحوار بمساندة حمائم النهضة.. كما اقترح عليكم تنظيم حوار تلفزي شامل بمشاركة كل من سفيان بن فرحات وزياد كريشان ولطفي العماري وألفة يوسف والهاشمي نويرة.